أركان الصلاة
تُعد الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عماد الدين وصلة العبد بربه. ولقبولها وصحتها، لا بد من الإتيان بأركانها كاملة غير منقوصة. فالركن هو الجزء الذي لا تقوم الصلاة إلا به، ولا يُجبر تركه بسجود السهو، بل لا بد من الإتيان به. في هذا المقال، نستعرض أركان الصلاة الأربعة عشر بالتفصيل، مع ذكر الدليل الشرعي لكل ركن، ونوضح الفرق بين الركن والواجب والسنة.
الفرق بين الركن والواجب والسنة في الصلاة
قبل الخوض في الأركان، من المهم توضيح الفروقات الأساسية:
الركن:
أساس الصلاة وجوهرها. إذا تُرِكَ عمدًا أو سهوًا، بطلت الركعة التي تُرِكَ منها، ويجب الإتيان به. إذا لم يأتِ به المصلي، بطلت صلاته كلها.
- الواجب: عمل مطلوب في الصلاة. إذا تُرِكَ عمدًا بطلت الصلاة، أما إذا تُرِكَ سهوًا، فلا تبطل الصلاة، ولكن يجب على المصلي أن يسجد للسهو في آخر صلاته لجبر هذا النقص.
- السنة: هيئة أو قول مستحب في الصلاة. من أتى به أُثيب ومن تركه فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة، ولا يحتاج لسجود السهو.
أركان الصلاة وأدلتها الشرعية
فيما يلي تفصيل لأركان الصلاة الأربعة عشر مع أدلتها:
- القيام مع القدرة في صلاة الفرض
وهو أن يقف المصلي منتصبًا في صلاة الفرض.
- الدليل من القرآن: قال الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ (البقرة: 238).
- الدليل من السنة: لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه عندما سأل النبي ﷺ عن صلاة المريض، فقال: “صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ”. (رواه البخاري).
(صورة توضيحية: مصلي واقف منتصب القامة في وضعية القيام)
- تكبيرة الإحرام
وهي قول “الله أكبر” في أول الصلاة، ولا تنعقد الصلاة بدونها.
- الدليل من السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ”. (رواه أبو داود والترمذي). فقوله “تحريمها التكبير” أي أنها تحرّم على المصلي ما كان مباحًا له قبلها من الأكل والكلام.
(صورة توضيحية: مصلي يرفع يديه حذو منكبيه عند تكبيرة الإحرام)
- قراءة سورة الفاتحة
يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة، على الإمام والمنفرد، والمأموم في الصلاة السرية.
- الدليل من السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ”. (متفق عليه).
(صورة توضيحية: صفحة من المصحف تظهر سورة الفاتحة بشكل واضح)
- الركوع
وهو الانحناء بحيث يضع المصلي يديه على ركبتيه مع استواء الظهر.
- الدليل من القرآن: قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ (الحج: 77).
- الدليل من السنة: ورد في حديث “المسيء صلاته” أن النبي ﷺ قال له: “ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا”. (متفق عليه).
(صورة توضيحية: مصلي في وضعية الركوع، مع استواء الظهر وتسوية الرأس بالعجز)
- الرفع من الركوع والاعتدال قائمًا
وهو أن يعود المصلي إلى وضعية القيام بعد الركوع.
- الدليل من السنة: في حديث “المسيء صلاته” أيضًا، قال له النبي ﷺ: “ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا”. (متفق عليه).
(صورة توضيحية: مصلي يعتدل واقفًا بعد الرفع من الركوع)
- السجود على الأعضاء السبعة
وهو أن يضع المصلي جبهته مع الأنف، وكفيه، وركبتيه، وأطراف قدميه على الأرض.
- الدليل من القرآن: الآية المذكورة سابقًا: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾.
- الدليل من السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ – وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ – وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ”. (متفق عليه).
(صورة توضيحية: مصلي في وضعية السجود الصحيحة، مع ملامسة الأعضاء السبعة للأرض)
- الرفع من السجود
أن يرفع المصلي رأسه من السجدة الأولى.
- الدليل من السنة: في حديث “المسيء صلاته”: “ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا”.
- الجلسة بين السجدتين
هي الجلوس بين السجدتين باطمئنان ولو للحظة يسيرة.
- الدليل من السنة: هو نفس دليل الركن السابق، حيث إن الأمر بالرفع والجلوس باطمئنان يجعله ركنًا مقصودًا لذاته. وكانت هذه هي عادة النبي ﷺ، فلم يكن يصل السجدتين ببعضهما دون جلوس.
(صورة توضيحية: مصلي في وضعية الجلوس بين السجدتين “الافتراش”)
- الطمأنينة في جميع الأركان الفعلية
وهي السكون والاستقرار في كل ركن فعلي (الركوع، الاعتدال منه، السجود، الجلوس بين السجدتين).
- الدليل من السنة: تكرار قول النبي ﷺ في حديث “المسيء صلاته”: “حَتَّى تَطْمَئِنَّ” في كل حركة، مما يدل على أن مجرد الفعل لا يكفي، بل لا بد من السكون فيه.
- التشهد الأخير
وهو قراءة التحيات في الجلسة الأخيرة من الصلاة.
- الدليل من السنة: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد…”، ثم علّمهم النبي ﷺ التشهد وقال: “فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ…”. (رواه البخاري). والأمر هنا يدل على الوجوب والركنية.
- الجلوس للتشهد الأخير
وهو الجلوس لأداء التشهد الأخير وما بعده من الصلاة على النبي والدعاء والتسليم.
- الدليل من السنة: فعله ومواظبته ﷺ على هذا الجلوس في كل صلاة، ولم يثبت أنه أتى بالتشهد الأخير إلا جالسًا.
(صورة توضيحية: مصلي جالس للتشهد الأخير في وضعية “التورك” في الصلاة الرباعية)
- الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير
- الدليل من القرآن والسنة: الدليل مركب من الأمر العام في القرآن بالصلاة عليه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ…﴾ (الأحزاب: 56)، مع حديث الصحابة عندما سألوا: “يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟”، فعلّمهم الصلاة الإبراهيمية وأمرهم أن يقولوها في الصلاة.
- الترتيب بين الأركان
أداء الأركان بالترتيب الذي وردت به.
- الدليل من السنة: الدليل الأول هو فعله ﷺ، وقوله: “صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي”. (رواه البخاري). والدليل الثاني هو استخدام حرف العطف “ثُمَّ” في حديث “المسيء صلاته”، الذي يفيد الترتيب والتعقيب.
- التسليم
وهو قول “السلام عليكم ورحمة الله” للخروج من الصلاة.
- الدليل من السنة: الحديث المتقدم: “…وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ”. وهذا يجعل التسليم هو الفعل الذي يحل للمصلي ما كان محرماً عليه في الصلاة، فهو ركن الخروج منها. والركن هو التسليمة الأولى، أما الثانية فسنة.
(صورة توضيحية: مصلي يلتفت بوجهه ليسلم عن يمينه في نهاية الصلاة)
خلاصة
إن إتقان الصلاة يبدأ بمعرفة أركانها والتمييز بينها وبين الواجبات والسنن. فمن حافظ على هذه الأركان، وأداها بترتيبها وبطمأنينة وخشوع، فقد أقام عمود دينه، ورُجيت له صلاة مقبولة ترفعه درجات وتنهَاه عن الفحشاء والمنكر.